الجــزء الأول
قواعد المسلكية الثورية في المجال الجماهيري
لم تكن الوصايا العشر كقواعد للسلوك الانساني موجهة الى فئة أو طبقة محددة.. بل لكل الشعب.. وكان الخروج عن هذه الوصايا عصيانا وتمردا على أوامر الخالق.. ويمكن القول ان نقاط الاهتمام الثمانية(1) لماوتسي تونغ، وقواعد السلوك ال21 (2) لهوشي منه، تحمل ذات طابع الوصايا، وان كانت موجهة في الاصل الى المناضلين حتى تحكم هذه القواعد تصرفاتهم مع الجماهير وعلاقتهم بها.
ان طموح ماو في ان تصبح هذه القواعد دليل عمل للعلاقات الاجتماعية قد تكرس من خلال الثورتين الاجتماعية، والثقافية اللتين بلغتا شأوهما بعد ان تحررت الصين. ان قواعد السلوك الثوري في مرحلة التحرر الوطني وليست قواعد لسلوك الجماهير.. وانما لسلوك الطليعة تجاه الجماهير..
وتشكل نظرة الحركة الثورية للجماهير مدى جديتها في قضية التحرير، حيث ان تجاهل الجماهير وعدم اعطائها الدور والاهمية التي تشكلها في المسيرة الثورية، يجعل من الحركة الثورية تجمعا نوعيا لا يمكنه قيادة الجماهير لعدم ايمانه بقدرة الجماهير. وتكون تصرفاته معزولة وغير مقبولة من الشعب. ولكي نعطي مثالا للنظرة الجدية للجماهير نورد نصا من مقدمة النظام الداخلي لحركتنا.
"ان الثورة الشعبية المسلحة التي نخوضها تنطلق من موقف مبدئي، وهو ان قضيتنا هي قضية الجماهير وليست قضية فئة مميزة منفصلة عن هذه الجماهير. وان الشعب قادر على ممارسة النضال بكفاءة عالية وحس صادق وعزيمة قوية، وهو القائد الحقيقي للثورة والحامي المخلص للتنظيم الثوري. ولقد جاء هذا النظام محققا لاشد الالتحام بين الحركة والجماهير، عن طريق البناء الهرمي للاجهزة الثورية بحيث تكون هذه الجماهير هي القاعدة العريضة له.
ومن هذه النظرة الى دور الجماهير في الثورة يبرز دور القاعدة المنظمة في الحركة باعتبارها على تماس مباشر مع الجماهير، تعيش بينها وتحس مشاعرها وتستلم تطلعاتها، وهي لذلك مصدر السلطات في الحركة والوصية الوحيدة الامينة عليها، وهي القوة الحقيقية التي يعود اليها وحدها حق اتخاذ المقررات الحاسمة، وعليها تقع مسؤولية انتخاب القيادات في جميع المستويات، ويتم ذلك عن طريق الانتخاب المباشر على درجات بسبب مقتضيات العمل السري، وبسبب التشتت الجغرافي الذي تعانيه جماهيرنا الفلسطينية.
وقواعد المسلكية الثورية في المجال الجماهيري يمكن تلخيصها بضرورة التوجه الصادق الدائم للجماهير وتعميق العلاقة بينها وبين الحركة الثورية وترسيخ الايمان، بأن هدف الحركة الثورية هو مصلحة الجماهير، وانه بالجماهير وحدها تستطيع المسلكية الثورية في المجال الجماهيري، ان تحقق النصر.
1. احترام الجماهير:
ان المسلكية اليومية للطلائع الثورية تجاه الجماهير هي التي تحدد مدى التفاف الجماهير حول الطليعة أو انعزالهم عنها.. ان الجماهير لا يمكن ان تلتف حول من يسيء اليها ويتكبر عليها ويعاملها بغطرسة وعنجهية، تماماً كما تعاملها القوى المعادية لها. ان الطلائع الثورية لا يمكن لها ان تحقق أية مكتسبات على طريق الثورة، الا اذا استطاعت ان تكسب الجماهير الى جانبها.. ولن يتم هذا لسواد عيون الطليعة وعبقريتها.. وانما بالاحترام المتبادل بين الجماهير وهذه الطليعة.
وان مهمة الطليعة هي تعميق احترامها للجماهير يتعمق احترام الجماهير لها.. واخطر ما يمكن ان يقصم عرى التلاحم بين الطليعة وجماهيرها هو شعور الجماهير، بأن هذه الفئة لا تختلف عن الفئة التي ثارت ضدها، والتي تتحكم في الجماهير.. وتغرر بها وتستغفلها وتخدعها لتظل جاثمة على صدرها. وحيث ان المبادرة العملية لتعميق الاحترام المتبادل تقع في يد الطليعة، لان الجماهير تظل محكومة لردود فعل ممارسة الطليعة تجاهها، فان الطليعة هي التي تتحمل أولا وآخرا نتيجة علاقتها بالجماهير.
ان تذبذب العلاقة بين الطليعة والجماهير بالاحترام الواضح حينا والاحتقار والازدراء حينا آخر، يعبر عن انفصام في عقلية ما يسمى بالطليعة. فمن الذين يقفزون الى مراتب المسؤولية نوعيات تتحدث عن الجماهير وعظمتها وفعاليتها حينا.. وعن جهلها.. وغبائها حينا آخر.. وهي تمارس عزلتها الكاملة عن الجماهير، عندما تحقق انتصارا عسكرياً أو سياسياً، وترجع اسباب هذا الانتصار الى قدرتها الذاتية. ان الجماهير لا يمكن ان تحترم الذين يحتقرونها مهما كانت الانتصارات التي تحققت على أيديهم.. ولكن الحقيقة التاريخية تؤكد، ان الذين يحتقرون الجماهير لا يمكن ان يحققوا أي انتصار حقيقي.. ان الانتصارات الخادعة هي التي تكشف نوعية الافراد في الحركة الطليعية.. وتفرز المناضلين الحقيقيين من الانتهازيين والمتسلقين.. وذلك من خلال الموقف الذي يتخذه الفرد من الجماهير.. ومن اتجاه حركة الاحترام المتبادل معها.
ان قاعدة احترام الجماهير تحتم على الثوري ان يعبر عن احترامه للجماهير بالممارسات اليومية. فهو مطالب باحترام تقاليد الجماهير وعاداتها والاستماع الى آرائها والاخذ بها.
والثوري لا يفرض آرائه على الجماهير اذا ما تعارضت مع المفاهيم السائدة قبل ان يمهد لها بنضال طويل وشاق.. والجماهير الحساسة تجاه معتقداتها وتراثها بحاجة الى مناضلين يدركون هذه الحساسية ودرجتها ويقيمون مع الجماهير علاقة من الاحترام العميق، الذي يسهل لهم مهماتهم الثورية مهما صعبت.
2. الاعتماد على الجماهير :
يعرف كل مناضل حقيقي انه يثور من اجل الجماهير، وانه لا يستطيع ان يحقق للجماهير طموحها دون ان يجعلها تتحمل المسؤولية الاساسية في النضال. ان العضو في الحركة الثورية يرى نفسه باستمرار مرتبطا بالجماهير مشدودا لها، غير قادر على التحرك وانجاز المهمات بدونها، مما يجعله يرى دائما ان الجماهير هي التي تصنع الثورة، وان الطليعة التي تفجرها تقوم عمليا بتحريك الجماهير وايقاظها وارشادها طريق الثورة.. اما التصعيد الثوري.. والمهمات العظيمة للثورة، فانها من صناعة الجماهير.. وان نجاح الطليعة يقاس في كل مرحلة من مراحل الثورة بمدى استقطابها وتلاحمها وتفاعلها مع الجماهير، ومدى التفاف الجماهير حولها وتبنيها للقضية الشعبية، التي تبرزها الطليعة.. ان الحركات الثورية في العالم، والتي تناضل من اجل التحرر الوطني خاصة، ملزمة باستخدام حرب الشعب طريقا وحيدا لطرد العدو وتحرير الوطن.. وحرب الشعب هذه لا يمكن لها ان تتجسد الا بالشعب. فهي ليست اسلوبا تقنيا خاصا. وانما هي تحرك لكل فئات الشعب، واذا لم تعتمد الطلائع الثورية على الجماهير، فكيف ستكون قادرة على الارتقاء بنضالها الى مستوى حرب الشعب ؟.. ولهذا فان الاعتماد على الجماهير كقاعدة اساسية من قواعد السلوك الثوري، تحتم على العضو في الحركة الثورية ان يعطي كل جهده لاعداد هذه الجماهير ورفع مستواها النضالي، حتى يصبح اعتماده عليها اعتمادا على قوة قادرة على انجاز المهام المطلوبة بقدرة وفعالية.
فمن الجماهير ينمو جيش الشعب، ومنها تنبع قوات الميليشيا الشعبية، ومن الجماهير تتحرك فصائل الدعاية المسلحة ومجموعات الانقاذ والامداد. والاسعاف والحماية ومن الجماهير تنطلق مجموعات الاعلام والهداية وكوادر التثقيف والتوعية الحركية.. ان الفرق بين الحركة التي تعتمد اساسا على الجماهير وخط الجماهير وتبني تنظيما جماهيريا، وبين الحركة التي تعتمد على بناء التنظيم الانتقائي تنظيم النخبة، هو ان الأولى تصنع ثورة شعبية حقيقية.. والثانية تهدف في احسن حالاتها لتصنع انقلابا. ومراحل التحرر الوطني لا تنجز مهماتها بالانقلاب، وانما بالثورة الشعبية المسلحة التي تعتمد اساسا على الجماهير.