يصحو من نومه .. يخرج من حظيرته كباقي الحيوانات التي تعيش معه في بقايا الوطن، حياة تعيسة .. بائسة .. مُستغلـَّة .. قصيرة .. فيها كل شيء إلاّ السعادة والفرح، لا وجود فيها إلاّ للعبودية والاضطهاد البغيض بكافة أشكاله، حياة أيامها قصيرة وفي أغلب الأوقات تكون نهايتها الذبح وبأشكالٍ متعددة !!!
ترى من يستغلنا نحن كحيوانات ؟؟
ولماذا هذا الاضطهاد والتمادي به ؟؟
ولماذا يبتكرون كل ما هو جديد وحديث لاستعبادنا ؟؟
وهل سن هذه القوانين البعيدة عن القانون صارت سيفاً مُسلطاً على رقابنا ؟؟
وهل نبقى ننتظر لحظة ذبحنا وأفواهنا مفتوحة على وسعها ونحنُ بلا ألسُن ؟؟
نعم الآن وبعد أن تجاوز عقده الخامس بات يُدرك أنه بلا لسان، وأصبح على يقين أن من تبقى لديه لسان في فمه .. فهو يستخدمه لصالح قائد الوطن ومسؤوليه، وأحياناً ما تجود به قريحته من شعر منظومٍ أو منثور .. وأحياناً أخرى في مقالات عرمرمية كلها مديح لطيفه السياسي .. وهجاء لمن يخالفه الرأي .. ويتقن أكثر فن استخدامه في تذوق الطعام وابتلاعه خاصة في مطاعم الخمس نجوم المليئة بلحومنا، والتي لا يحلو لهم ارتيادها إلا ليلاً (كالخفافيش) !!!
ومع كل ما ذكرت إلا أنني أدرك أننا كحيوانات نعيش ضمن هذه المزارع لم يتبق لدينا سوى أنيابنا ومخالبنا قد يستخدمها البعض منا إذا ما ضاقت به السُبُل، وها هي أحوالهم المعيشية راحت تتراجع ساعة بعد ساعة، وصار لا يطرق بابنا سوى الجباة وصاحب المنزل طالباً ما علينا من حساب .
يصحو من غيبوبته على قرع الباب، يخيل له أن الفرج آت، رجل ضخم الجثة، عريض المنكبين، أشعث الشعر، الابتسامة لم ترَ وجهه منذ عقود، يعبث بأوراق يخرجها من حقيبته قائلاً بصيغة الأمر:
ــ أنت فلان ؟؟
ــ نعم .. ماذا تريد ؟؟
ــ أنا من شركة الكهرباء !!! عليك مبلغ مستحق (450) شيكل !!
ــ نعم هو مبلغ ضئيل وسأعمل على تسديده إن شاء الله !!
ــ أنا لا أفهم .. إما أن تدفع الآن أو أفصل التيار عن المنزل ..!!
يدخل غرفة نومه مقهوراً .. مغلولاً واضعاً رأسه بين كفيه .. يمسك بإحدى المقالات المنشورة .. يقرأ ما كُتب : حكومتنا استطاعت أن تحل كل مشاكلنا في الوطن ولم يتبقى لديها أي مهام سوى تحصيل المستحقات المالية للشركات والمؤسسات الخاصة !!!