هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 أحلام مشروعة

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
منتصر عبد الجواد
عضو نشيط
منتصر عبد الجواد


ذكر
عدد الرسائل : 64
العمر : 38
العمل/الترفيه : محامي
تاريخ التسجيل : 24/01/2008

أحلام مشروعة Empty
مُساهمةموضوع: أحلام مشروعة   أحلام مشروعة I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 05, 2008 1:41 pm

ألقت بجسدها وحقيبتها الجلدية متآكلة الأطراف على المقعد الخلفي للسيارة وهمست للسائق بصوتها المرتجف برداً ونصباً: حيّ الأمل لو سمحت.

كان الجو خارج السيارة ماطراً بارداً، وهي تريد الوصول إلى البيت بأقصى سرعة لتلحق ببعض الدفء الذي ينثره موقد الحطب الموضوع في وسط صالة البيت الصغيرة...كان أبوها يصرّ على استخدام الحطب على أنه أفضل وسيلة تدفئة، رغم الأزمات الربوية المتلاحقة التي تداهم صدره، وتجعله يسعل كالعواء، ولكن الأزمات الربوية أرحم بكثير في نظره من فاتورة الكهرباء، التي تصلهم نهاية كل شهر، والتي تزيد الأزمة الربوية احتقاناً، وترفع ضغط دم أمها. سخرت بداخلها, فهُم أصلاً لا يملكون مدفأة كهربائية، وطالما تمنّت لو ابتاعت واحدةً ووضعتها في مواجهة أبيها القابع بلا عمل طوال الوقت..

ركوبها سيارة أجرة يعتبر مغامرةً، وربما أنّبتها أمّها لأنها فعلت ذلك، فهي لا تملك إلا شيكلاً واحداً تدحرجه في أقصى بطانة حقيبتها، حتى لا تخطئ يوماً وتخرجه أثناء بحثها عن شيء آخر من متعلقاتها البسيطة.. كانت تطلق على هذا الشيكل شعرة معاوية.. فهو لا يجعلها فقيرةً معدمةً، ولا غنية مُترفة...لأنها تملك شيكلاً فحسب!
وها هي الآن تمدّ يدها به إلى السائق.. كيف لم تنظر إلى السائق في عجلة ركوبها.. كان شاباً وسيماً، وربما يصغرها بأعوام.. له لحية صغيرة نامية كإبر قصيرة.. وشعر رأسه ناعم غزير.. طريقة إمساكه بالمقود تدلّ على أنه يتمتّع بصحة جيّدة.. لو كان مُترفاً لما عمل سائقاً، ولكنه بالتأكيد، يهتمّ بصحّته، حتى يظلّ مربوطاً إلى المقود أطول فترة ممكنة.. نظرت إلى المرآة الأمامية في وسط السيارة.. تمنّت لو نظر إليها.. تعرف أنها ليست جميلة.. حتى اسمها الذي ينحدر من أصولٍ تركية، لم يمنحها، حين التصق بها، أيّ مسحة من الجمال.. كانت فتاةً عادية، لم تلبث أن مرت بها السنون وأصبحت في بداية عقدها الرابع دون زواج...وضعت يدها لا إرادياً على المنطقة المحيطة بفمها.. هناك تقشرٌ واضحٌ فيها، ربما من سوء تغذيتها, تخفيه بطبقة سميكة من البودرة الرخيصة. قبل عدة أشهر اشترت علبة بودرة بعشرة شواكل من بائع جائل على عربة، ولم تنس حتى الآن نظرته إليها وهي تدسّ العلبة بلهفة في حقيبتها، متخيّلةً أن مسحةً منها سوف تحوّلها إلى فينوس الساحرة. كان لسان حال البائع يقول: وهل يُصلح العطار ما أفسده الدهر, تذكّرت ابنة صاحب مصنع الخياطة الذي تعمل فيه، كانت جميلةً جمالاً صارخاً، وتُبرز جمالها وجسدها بطريقة مفتعلة.. وتطرب لعبارات الغزل التي يُمطرها بها الرجال الذين يفدون إلى مصنع أبيها..
صاحب المصنع، ورغم أنه في سنّ والدها، لا يتردّد عن التّحرّش بها، ولمس يدها أو الاحتكاك بمؤخرتها، عند مروره بالقرب من ماكنة الخياطة التي تجلس إليها لمدة عشر ساعات يومياً.. كانت تتقاضى مبلغاً لا يتجاوز الثلاثمائة شيكل، إلا في الأعياد، فكان يمنحها صاحب المصنع عيديّةً صغيرةً تفرح بها هي وأُمّها, أمها التي تدس راتبها في صدرها، ثم يلهج لسانها بالدعاء لها كثيراً، وهي تعدّل من وضع حمّالة صدرها المتدليّة من فوق ملابسها.. حتى تتأكّد أن المبلغ قد التصق بلحم صدرها الغارق بالعرق والدفء.. هذا الراتب الصغير، هو النّواة التي تسند الزير، لأنّ والدها بلا عمل، وهي أكبر إخوتها السبعة، والبيت كلّه مفتوح من حسنات وصدقات الجيران والأقارب، أما راتبها فهو الذي يكفي العائلة ذلّ انتظار زكاة متأخّرة، أو صدقة ذهبت إلى شخص آخر عمداً أو سهواً.. وجنتاها تكسوهما طبقةٌ من البقع البنيّة الداكنة، وحين سألت جارتها الطبيبة، وهي في عجلةٍ من أمرها، وتهمّ لركوب سيارتها، أجابتها: لأنك تسيرين كثيراً تحت أشعة الشمس. والتقطت من على "تابلو" السيارة ورقةً صغيرةً وقلماً ذهبياً لتدوّن لها اسم كريمٍ للوقاية من الشمس. لا زالت تحتفظ في قاع حقيبتها بالورقة التي تشرّبت بزيت الفلافل, لم تفكّر أن تسأل في الصيدلية مجرد سؤال عن ثمن هذا الواقي. يوم أن اشترت علبة البودرة والتي لا تُسرف كثيراً في استخدامها سمعت الكثير من التقريع من والديها وكأنّها ضُبطت في لقاء عابر مع ابن الجيران...لم يكن هناك حقاً ابن جيران فكّر يوماً بمغازلتها.. رضيت بنصيبها وهي تترك المدرسة في المرحلة الإعدادية وتلتحق بالمصنع وتقطع كل يوم المسافة بينه وبين بيتها في ساعة للرواح وأخرى للغدو.. أفاقت من شرودها قليلاً على صوت السائق وهو يسألها: أي شارع تريدين؟

ردّت بصوت حاولت أن تكسبه بعض الرقّة والنعومة: الشارع الثاني. لو سمحت.. ليست من هؤلاء الفتيات اللواتي يُجدن تسويق أجسادهن بافتعال واضح وصريح، وفي النهاية لا يظفرن بزوج، ولكن بسوء السمعة لا أكثر.. تخيّلت لو أوقف هذا السائق الوسيم السيارة والتف بجسده من مقعده الأمامي وقبّلها.. لو فعل والتفت حقاً للمرآة الأمامية للسيارة بصورة تجعله قادراً على استراق النظر إلى أكبر قدر من تفاصيلها.. الجورب الذي يلتفّ حول ساقيها مجعّد بالٍ.. وحذاؤها بكعب ذائب.. ولو اقترب أكثر سيرى الثقب الذي فشلت أمّها في رتقه في ياقة القميص الكحلي الذي ترتديه.. سحبت التنورة بكلتيّ يديها إلى أسفل لتخفي الجورب البادي كلقمة لاكتها أضراس عريضة.. التنورة كانت سوداء. لا تذكر من أي كومة بالة اشترتها ولكن كان ذلك من زمن بعيد.. ولا تغيّرها إطلاقاً، فقط تغيّر البلوزات والقمصان بما يتلاءم مع اللون الأسود للتنورة.. ماذا لو استدار وقبّلها؟! حين يقترب منها لن يشمّ رائحة عطر من تحت إبطها, أمّها طالما نصحتها أن تستخدم قشرة الليمون بعد عصرها في مسح منطقة إبطها حتى لا تنبعث رائحة عفنة منه, وأمها تحتفظ على حافة حوض المطبخ بعدة أنصاف لليمونات سبق عصرها لهذا الغرض, تمنّت لو أنها تستخدم عطراً من تلك العطور التي تصطف في واجهات المحلات, تسمع كثيراً من زميلاتها في المصنع واللواتي يتندّرن في أثناء العمل بتأثير العطر على الرجال, زميلاتها هنّ على شاكلتها ممّن فاتهنّ سن الزواج، أو مُطلّقات لم يحظين بالزواج إلا لفترة قصيرة.. أمّها لا تتوقّف عن الدعاء لها بالستر، وتطلب من قريبتها العجوز البحث عن عريس مناسب لها, وتردف أمها قائلةً للقريبة العجوز التي تقلّب نظرها في وجهها غير مقتنعة بجدوى البحث: أيّ زوج يسترها لا يهمّ السن, والمهم أن يكون ميسور الحال. أمها لا تقتنع أنها تحيا كراهبة. لم يلمسها شاب ممن يعملون في المصانع المجاورة لمصنعها.. لم تحظَ بقبلةٍ أو عناقٍ سريع.. أبداً ذلك لم يحدث.. ترى كيف ستكون رائحة جسده لو دنا منها؟! هل ستنبعث من أنفاسه رائحة سجائر خانقة.. هل أسنانه صفراء يهمل تنظيفها, إن أسنانها بيضاء ناصعة فقط تتمضمض بالماء وتفركها جيداً بالملح حيث تستخدم سبّابتها كفرشاة أسنان والنتيجة كما ترى في مرآتها المشروخة أكثر من رائعة.. نظرات والديها لها لا تخلو من شفقة.. زواجها لو حصل سيقطع بهم.. ولكن أبداً لا تتوقف أمها عن اللهج بالدعاء..

تخيّلته يتجرّأ أكثر والشوارع تغتسل بالأمطار والناس ينكمشون في بيوتهم, يستدير من مقعده ويعانقها عناقاً قصيراً.. أو حتى طويلاً، ويدسّ يده بين فراغ زرّي قميصها، ...أوشكت أن تطلق أنيناً ممزوجاً بنشوة.. حين صمّ أذنيها صرير عجلات السيارة على الأرض المرطبة بالمطر.. قال: لقد وصلنا.
كانت الراكبة الوحيدة معه.. نزلت من السيارة وسحبت حقيبتها من على الكرسي، وألقت نظرةً أخيرة إلى وجهه الوسيم.. نظرة أخيرة إلى السماء التي تحشد عواصف قادمة، ثم غيّبتها طرقات حارتها الضيّقة المظلمة, غيّبتها وهي تبتلع في حلقها, دموعاً عميقة ساخنة، فرّت من مقلتيها..


بتمنى تنال اعجابكم هذه قصه قصيره من كتاباتي يا ريت تتحفوني برأيكم لانه بهمني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
الماردة الفتحاوية
نائبة المدير
الماردة الفتحاوية


انثى
عدد الرسائل : 1562
العمر : 41
العمل/الترفيه : محاسبة و ادارة اعمال
تاريخ التسجيل : 27/12/2007

أحلام مشروعة Empty
مُساهمةموضوع: رد: أحلام مشروعة   أحلام مشروعة I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 05, 2008 10:00 pm

اخي منتصر

هلا بعودتك من جديد

قصة رائعة و احلام بائسة

يعطيك العافيه اخي

ننتظر القادم


تحيتى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أحلام مشروعة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ღ♥ღالمــلـتـقيات الـتـرفـيـهـيـه ღ♥ღ :: منتدي القصص والحكواتي-
انتقل الى: