الجـــزء الرابع
قواعد المسلكية الثورية
في المجال العسكري
عندما تصل الحركة الثورية الى ضرورة تفجير الثورة الشعبية المسلحة وتطلق رصاصتها الأولى تعبيرا عن بداية مرحلة الكفاح المسلح، فان اعضاء الحركة الثورية يصبحون مطالبين بالالتزام بقواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري، الى جانب التزامهم بقواعد المسلكية في المجالات الجماهيرية والسياسية والتنظيمية. ان مرحلة الكفاح المسلح، والتي تصلها الحركة الثورية بعد مرورها بخطوات الاستقصاء والدراسة والتوجيه والتوعية الفكرية والتنظيم والتدريب، تتصاعد حدتها مرحليا وتنتقل عبر اشكال نضالية مختلفة، ولكنها تتميز جميعها بالعنف الثوري. ان تنوع المهمات العسكرية تجعل لبعض القواعد المسلكية صفة الخصوصية ولبعضها صفة العمومية. فاذا كانت الشجاعة والاقدام صفات اساسية لكل انواع العمل العسكري، فان اللياقة البدنية ضرورة اساسية لقتال المدن أو لحرب العصابات الريفية وان كان في مقدور قائد هذه اللياقة ان يقوم باعمال ثورية مذهلة في مجال الاعمال التخريبية في المدن الى جانب عمليات التفخيخ والتشريك والتخريب بالوسائل البدائية. ان طبيعة العمل الثوري، تفرض على الحركات الثورية انتقاء اساليب ووسائل القتال الملائمة لكل مرحلة ولكل موقع. ولكن الحركة ملزمة في كل اشكال نضالها العسكري، ان تعمق روح القتال، ليس فقط لدى اعضائها، وانما لدى الشعب، حتى تستطيع ان تدفع بالجماهير الشعبية المسلحة الى أخذ المبادرات الهجومية ضد اعداء الثورة والدفاع عن الثورة.
ان انواع العمليات العسكرية تلعب دورا هاما في قضية استقطاب الجماهير حول الثورة. ولكن الحركة الثورية الطليعية تعمل دائما على دفع الجماهير الى المشاركة الحقيقية في العمل، وذلك عن طريق النضال وقتال العدو بكافة الوسائل وبكل الاساليب البسيطة منها والمعقدة، حتى ينغرس في نفسية كل مواطن الشعور باستغلال العدو له، وبانه مطالب، ليس فقط بالحقد على العدو، وانما بتفجير هذا الحقد على شكل ممارسات عملية تضر بالعدو مهما كان هذا الضرر بسيطا. ان انتقال الحركة الثورية الى مرحلة حرب الشعب، لا يتم دفعة واحدة. لا يتم الا بالانتقال من مرحلة الدفاع الاستراتيجي الى مرحلة الهجوم الاستراتيجي.. المرحلة التي يصبح فيها كل فرد ينام ويصحو وهو يفكر كيف يتخلص من الظلم، وكيف يتخلص من الاستغلال، وكيف يتخلص من الاحتلال... والحركة الثورية هي التي تعطي جوابا واضحا بممارسات اعضائها وانصارها، ومن ثم الجماهير... ممارسة الكفاح المسلح بكل اشكاله.
ان المبدأ الاساسي في العمل العسكري، هو المحافظة على الذات وافناء العدو.. وهذا المبدأ، الذي يجمع بين متناقضين عملياً، يشكل ضرورة اساسية لنجاح العمل.. ان التصدي لقتال العدو يعرضنا للخطر.. ويعرض ذاتنا الى الفناء.. ولكننا لا يمكننا ان نقاتل العدو و نلحق بالعدو اضرارا.. الا اذا تعرضنا نحن أيضا الى الخطر، وهنا تتدخل كل قواعد المسلكية الثورية في المجال العسكري، لتجعل قدرتنا على افناء العدو هي الوقاية الحقيقية لذاتنا... لان العدو هو مصدر الخطر الاساسي على ذاتنا.. فكلما اضعفنا هذا المصدر كلما قلصنا الخطر على ذاتنا..
ان اختيار الاساليب والوسائل الملائمة لكل مرحلة ولكل عملية، تضمن للحركة الثورية تراكماً في انتصاراتها، التي كلما زادت، كلما تضاعفت بشكل مطرد، نتيجة مردوداتها المادية والمعنوية على اعضاء الحركة الثورية وعلى الجماهير. ان قتال العدو ليست عملية سهلة بالنسبة للحركة الثورية، ولكنها أيضا ليست عملية سهلة بالنسبة للعدو، وتستطيع الحركة الثورية بتركيزها على اكثر نقاط العدو حساسية، ان تجعله يضطرب ويفقد وعيه، فتتراكم خسارته ويختل توازنه. ان قتال العدو، عندما يصبح مهمة جماهيرية بقيادة الحركة الثورية، يحول الوطن الى جحيم لاعدائه.. ويجعل من الجماهير خنجرا مغروسا في صدر العدو أينما وجد. في الريف.. في المدن. في مواقعه الحصينة وخارجها.. في اكثر نقاط امنه وفي مراكز قوته.. هكذا تعامل الحركة الثورية اعداءها فلا تعطيهم مجالاً لالتقاط الانفاس والاستفادة من الزمن..
ان استمرار الكفاح المسلح ضرورة اساسية لاستمرار الثورة، حيث انه يؤكد استمرار التفات الجماهير حول الثورة، ويؤكد ارتفاع الكفاءة القتالية لاعضاء الحركة الثورية وللجماهير، كما وانه يحرم العدو من ترتيب أوضاعه.. كل هذه الامور، التي تضيع اذا توقفت الثورة عن تصعيد نضالها وعن استمراره، فتعطي للعدو فرصة يستفيد منها ليخطط وينفذ محاولاته المستمرة لضرب الثورة وتصفيتها .. ان على الحركة الثورية ان تناضل رغم كل الظروف لتخلق قواعد ارتكازية تصبح نقاط تجمع وانطلاقاً لمقاتليها.. ان مواصفات هذه القواعد تختلف من بلد الى اخر وذلك لاختلاف طبيعة الارض والبشر والعدو. ان ادوات الصراع واراضيه تتحكم في خصوصيات العمل العسكري، وان كانت جميعها تخضع للقواعد العسكرية العامة. ان الموقع الذي يسيطر عليه المقاتلون عمليا مهما صغرت مساحته أو كبرت، فانه صورة للارض المحررة، وأن طبيعة العلاقات التي تسود بين المقاتلين في الارض المحررة وبين الجماهير فيها، تعطي صورة عن طبيعة العلاقة بين السلطة، التي تسعى الحركة الثورية لانشائها عند تحقيق النصر، وبين جماهير الشعب. ان مسلكية الثوار في مناطق تواجدهم .. سواء الاراضي المحررة أو قواعد الارتكاز في البلدان المجاورة .. أو نقاط الانطلاق .. كلها تعطي الملامح الأولية لطبيعة المسلكية، التي سيعممها الثوار في المجتمع الثوري المنشود. ولهذا، فان التمسك والالتزام بقواعد المسلكية الثورية تعطي للجماهير ضمانة التمسك بالخطوط الثورية السليمة، وبالتالي ضمانة العدالة الاجتماعية والتقدمية في المجتمع الثوري المنتصر.
ومهم جدا ان يعرف كل اعضاء الحركة الثورية، ان انطلاقة الرصاص وتفجير الثورة المسلحة تعني انهم جميعا اصبحوا عسكريين الى جانب أية مهمة اخرى يمكن ان يقوموا بها.. ان النضالات السياسية والعسكرية والجماهيرية والتنظيمية تتشابك مع بعضها لدى كل اعضاء الحركة الثورية.ان هذا التداخل والتشابك، يجب ان لا ينسينا قواعد المسلكية الثورية، التي تفرض علينا ان نختار للقيام بالمهمات اكثر الناس ايمانا بها وبقدرتهم على تنفيذها، سواء اكانت المهمات سياسية أو جماهيرية أو تنظيمية أو عسكرية.
ان قواعد المسكلية الثورية في المجال العسكري، ليست فقط قواعد لمسلكية الافراد، وانما لمسلكية الجماعة أيضاً، حيث ان الطبيعة الاساسية للعمل العسكري هي العمل الجماعي.. وفيما يلي استعراض لقواعد المسلكية الثورية الهامة في المجال العسكري:-
1. العنف :
ان قوى البطش والاستغلال المعادية للشعب تمارس ضده كل اساليب الارهاب حتى تخضعه لارادتها. ولكن الشعب عندما تدفع به الطليعة الثورية الى التحرك .. الى الثورة، فانه لا يجد امامه غير درب العنف الثورية ليجتث به ارهاب المستعمرين والمستغلين. فالعنف الثوري هو شرط اساسي لكل ثائر يرى الظلم ويستعد لازالته . ان محاربة الاستعمار تهدف الى تصفيته والى ازالته وارساء حياة جديدة للمجتمع المتحرر، يتمتع فيها البشر كلهم بالمساواة.. والحرية والعدالة . ولان الاستعمار هو وجود عنيف، فان ازالته لا تتم الا بالعنف ان تصارع القوى بكل ما أوتيت من امكانيات يتم من اجل تغلب واحدة على الاخرى. من اجل تغلب الخير على الشر، فالمستغلون المستعمرون لا يتخلصون من عنف الظلم الا بعنف الثورة و من عنف الاستغلال والعبودية الا بعنف السلاح والتضحية. ان أية بادرة لطف تجاه العدو يبديها ثائر لم يحرز النصر بعد، هي انحراف عن المسلكية الثورية وخروج عن الخط العسكري، الذي يتطلب من الثائر، ان يركز حقده دائما على العدو لكي يتركز عنفه ضده، وحتى يصبح لضرباته اكبر الاثر الموجع المحطم لقوى العدو وعنجهيته وجبروته وظلمه.
ان ممارسة العنف الثورة تقتضي من الحركة الثورية ان يحدد وبدقة من هم اعداؤها.. ومن هم حلفاؤها، حتى لا تقع في خطر ممارسة العنف الثوري داخل صفوف الثورة كوسيلة لحل التناقضات أو التعارضات، التي يجب حلها باللطف .. بالنقد والنقد الذاتي. ان التفريق بين الخطأ والخيانة هو تفريق بين مناضل يخطئ فيجب تصحيحه، وبين عميل يخون الثورة، فيجب تصفيته ومعاملته معاملة العدو.
ان اعضاء الحركة الثورية مطالبون ان يغرسوا روح العنف الثوري لدى الجماهير، وذلك بتوعيتهم واطلاعهم على تفاصيل الجرائم التي يرتكبها العدو، حتى تتعمق في نفوسهم الرغبة المشروعة للانتقام . وعلى الحركة الثورية أيضا ان تبين لاعضائها وللجماهير عن خلفية كل الممارسات الخادعة، التي تصدر عن اعداء الشعب، والذين يختفون خلفها حتى يحدثوا شرخا بين الجماهير وطليعتها الثورية. ان محاولات التقرب من الجماهير عن طريق حسن الخلق والاغراءات المادية والمعنوية، هي احدى اساليب الحرب النفسية، التي يهدف العدو منها الى قتل روح الحقد تجاهه بين الجماهير، وتحويل هذا الحقد ان امكن على الحركة الثورية، بدعوى انها سبب كل ما يلاقيه من مشاكل. ان القوى الاستعمارية والمعادية للجماهير، يهمها فقط ان تسود روح الاستسلام والخضوع على كافة المستويات، حتى يضمن المستعمرون والمستغلون بقاءهم وسيطرتهم.
ان ازالة الاستعمار ومحوه، لا تتم الا بالصراع العنيف بين ارادتين متناقضتين.. ارادة الشعب وارادة اعداء الشعب، وان هذا الصراع هو عملية عنيفة جدا لا تنتهي حقيقة الا بزوال احد الطرفين ..
وان الشعب في نضاله الطويل المرير للتخلص من الاستعمار والاستغلال والقضاء عليهما، يخلص نفسه من كل رواسب التخلف والامراض الاجتماعية، ففي وهج النضال العنيف يولد الانسان الجديد القادر على اكمال مسيرة الحركة الثورية وتوطيد مبادئها وخلق مجتمع العدل والمساواة والحرية على انقاض مجتمع الواقع الفاسد.
2. اللياقة البدنية :
ان تنوع الاسلحة وتطورها، قلل من اهمية اللياقة البدنية كضرورة اساسية للقتال، كما كانت أيام الفرسان وعهد السيوف . واذا كانت الجيوش النظامية تعطي للياقة البدنية اهمية خاصة عند اختيار افراد الجيش، فان الحركات الثورية، التي تخوض حروب التحرير الشعبية، لا تستطيع ان تحرم كل ابناء الشعب من القيام بواجبهم النضالي والقتالي ويكون للياقة البدنية والاهتمام بها والمحافظة عليها والتمسك بها، كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري، دورها في اختيار المهمات المناسبة لكل درجة من درجات اللياقة. ان مقاتلي العصابات في الجبال وافراد الدوريات الهجومية لا يستطيعون ان يتحملوا بينهم أي عضو فاقد للياقة البدنية، لانه يصبح عبئا عليهم وتعويقا لتحركهم، وقد يفشل لهم المهمات المنوطة بهم. ان اللياقة البدنية للمجموعة المقاتلة، تقاس بدرجة اللياقة التي يتمتع بها اضعفهم، حيث انه هو الذي يتحكم بوضع خططهم وسرعة تحركهم ومداها ولقدرته تضطر المجموعة ان تستجيب.
ان قتال الجبال .. وقتال الشوارع في المدن، يتطلب من الافراد خفة ورشاقة، وقدرة على التحرك بسرعة، حتى تتمكن المجموعة من تملك عامل المرونة، الذي يساعد على التنفيذ الاسلم للمهمات، والتصدي الاكثر فاعلية لهجمات العدو. وتتطلب حرب الشعب من اعضاء الحركة الثورية، درجة عالية من الاستعداد للتصدي للهجمات الفردية، التي تستهدفهم كأفراد.. ويتم ذلك بالتمرين المتواصل على رياضات الدفاع عن النفس، والقتال بالأيدي وبالسلاح الابيض.
ان الافراد الذين يتمتعون بلياقة بدنية متفوقة، يكسبونها بالتمرين المتواصل، الذي يحتاج الى ارادة قوية، وهذا التمرين وهذه الارادة المكتسبة، تساعد الافراد على الصمود في حالة وقوعهم اسرى لدى العدو. وتصبح ارادتهم وقدرتهم الحيوية سدا امام محاولات العدو لاخضاعهم لارادته وحملهم على الاعتراف بما يضر حركتهم الثورية.
ان التمسك باللياقة البدنية كقاعدة للمسلكية الثورية، تدفع اعضاء الحركة الثورية الى تجنب الكثير من العادات السيئة، التي تضر بصحتهم وبقدرتهم على القتال، وتحميهم بذلك من الوقوع في الانحراف عن كثير من قواعد المسكلية الثورية في المجالات الجماهيرية والتنظيمية والسياسية، وتجعلهم قادرين على القيام بأصعب المهمات وتنفيذها بجدارة عالية.
3. الصبر والتحمل :
اذا كانت الاستمرارية وطول النفس هي قاعدة للمسلكية الثورية في المجال التنظيمي، فان هذه الاستمرارية تحتاج الى صبر وقدرة على تحمل المشاق التي يتطلبها العمل العسكري، ولهذا، فان الصبر والتحمل يشكلان قاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري. ان مردود العمل العسكري السريع على المدى التكتيكي اليومي الناتج من تأدية المهام العسكرية وتنفيذها، يتطلب تعميق مفهوم الصبر، للوصول الى النتائج الباهرة على المدى الاستراتيجي .. للوصول الى مرحلة النصر. ان الحروب النظامية قد تحدث نصرا سريعاً، ولكن مفهوم حرب الشعب الاساسي هو طول امدها.. وان أي مناضل يحاول ان يقفز عن هذه الاساسيات ويتوقع النصر الحاسم قبل الأوان، يكون قد فقد قاعدة اساسية من قواعد المسلكية الثورية، وهي الصبر والتحمل. ان القوى المضادة للشعب ولثورته تسعى دائما لقتل روح الصبر لدى المناضلين والجماهير، وذلك بتشكيكهم الدائم بجدوى حرب الشعب وحرب العصابات. ان فقدان الثقة بحرب الشعب وبالكفاح المسلح، كطريق حتمي للنضال ضد الاعداء المغتصبين للارض أو المستغلين للشعب، تؤدي الى الوقوع في اشراك الانتهازية اليمينية القصيرة النفس، الفاقدة للصبر والتحمل الثوري، كقاعدة لمسلكيتها الثورية، مما يدفعها الى الاستسلام لشروط العدو والقبول بانصاف الحلول.
ان الحركة الثورية، التي تبدأ كفكرة للتغيير، تحملها طليعة ثورية محدودة العدد والامكانيات، تتحول تدريجيا وبصبر ونفس طويل الى قوة تبدأ صراعها المسلح ضد السلطة الفاسدة. أو الاستعمار الخارجي أو الاستيطاني .. ان ميزان القوى لا تحدثه الحركة الثورية بطريقة انقلابية، وانما بالتراكم الكمي والنوعي للانجازات الثورية على حساب ما تلحقه من خسائر للقوى المعادية للجماهير . وهذا النمو البطيء، هو الذي يضمن سلامة الولادة الحقيقية للثورة.. ولمراحل انتقالها من الضعف الى التوازن... الى القوة.. الى النصر.. ان الانتصارات الكاذبة لا تعطي للثورة وللثوار عمقا جماهيرياً، لانها لن تلبث ان تظهر على حقيقتها، حيث ان الجماهير تدرك بحسها الثوري الاصيل، كيف تحدث الانتصارات وكيف تستثمر .. لان حرب الشعب هي حرب الجماهير .. وان الانتصار، الذي تحققه حرب الشعب، هو الانتصار التي تشارك الجماهير بصناعته.. وباستثماره وبتصعيده الى درجات ارقى على طريق النصر الكبير.
4. شدة الملاحظة :
يتم العمل العسكري بين طرفين، يحاول كل منهما افناء الاخر. ويغوص كل طرف في ابتكار الاساليب البسيطة والمعقدة وتنويع مجالات عمله، حتى يخضع خصمه لارادته. وان مهمة المناضل الثوري، ليس فقط انجاز الايجابيات والانتصارات، وانما تحاشي الوقوع في السلبيات، التي تعطي لعدوه انتصارات وايجابيات. والمسلكية الثورية في المجال العسكري تقتضي من الافراد ان يتمتعوا بحس مرتفع لشدة الملاحظة. ان ابسط المظاهر، التي لا تلفت نظر الانسان العادي، قد يكون وراءها ما وراءها من الدمار والويلات والاشراك للحركة الثورية . وان الاهمال واللامبالاة قد أوقعا المناضلين في اخطاء، افقدتهم قدراتهم على استمرار النضال، وافقدت بعض الثورات والحركات الثورية وجودها.. ان شدة الملاحظة كقاعدة للمسلكية الثورية في المجال العسكري، تتطلب من العضو ان يعطي اهتماما خاصا لكل ظاهرة أو مظهر غريب يلفت انتباهه مهما كان بسيطا وتافها. ويجب ان لا يتوقف الامر عند ملاحظة الظاهر أو المظهر، وانما يجب ان تتابع للتأكد من اهميتها أو تفاهتها. ان النضال اليومي للمقاتل في الحركة الثورية، سواء أكان مقاتلا عصابيا في الجبال أو في المدن، وسواء اكان عمله علنيا أو سرياً، فانه يجب ان يتذكر دائما انه يعمل في وسط حقل من الالغام. وان عليه ان يتحسس موضع قدمه قبل نقله. وعليه ان يعطي اهتماما خاصا للامور البسيطة، وان لا يقع في مطبات الاهمال واللامبالاة، التي تجلب على الحركة الثورية الويلات والدمار. ان ملاحظة آثار اقدام أو بقايا طعام أو عقب سيجارة من نوع معين يساعد المقاتل العصابي على تقدير موقف. وان اختلافا في الاثاث أو ترتيب الحقيبة أو تكرار في المصادفات، تجعل المقاتل العصابي في المدن، يعرف اذا ما كان متابعا أو مراقبا . وان خيطا دقيقا أو مظروفا عاديا قد يحمل في طياته الهلاك اذا ما عومل باستهتار . ولهذا، فان على المناضلين ان يتمرسوا بالملاحظة الدقيقة الشديدة، وان يعملوا في المقابل على عدم ترك أية اثار أو اشارات تلفت انتباه اعدائهم لوجودهم أو لمخططاتهم او اشراكهم.
ان شدة الملاحظة الوقائية، التي تحرم العدو من تمرير اهدافه، يقابلها شدة الملاحظة الايجابية، التي تجعل المناضل ينفذ مهماته بدقة متناهية تحرم العدو من وقاية ذاته، مهما أوتي من شدة الملاحظة . والحرب خدعة، والعمل العسكري مليء بالاشراك والالغام.. والدقة والحرص الدائم، الذي اصبح جزءا من الشخصية المقاتلة يساعد على عبور افراد الحركة الثورية بكاملها كل حقول الالغام بأقل الاضرار.