الجــزء الخامس و الأخيـــر
قواعد المسلكية الثورية للكوادر
تلعب الكوادر القيادية في الحركات الثورية دورا هاما واساسيا في تحقيق الاهداف وانجاز المهمات الثورية، وكلما اعطت الحركات الثورية اهتماما اكبر في خلق وبناء كوادرها المسؤولة، من خلال تفاعل الوعي النظري بالممارسة العملية، كلما ازدادت ايجابية المردود العملي للممارسة، ونجاح الحركة الثورية لا يتوقف على امتلاكها للنظرية الثورية وبرامج العمل الواضحة فحسب، وانما بامتلاكها الكوادر، التي تستطيع ان تقود وتراقب تنفيذ برامج العمل بجدارة.
يتطلب تشعب المهمات والمسؤوليات الملقاة على عاتق الكوادر القيادية، درجة عالية من المعرفة الواثقة والاطلاع الشامل والنشاط والقدرة المتفوقة على الادارة، شريطة ان تتوفر كل هذه المتطلبات على اساس استخدامها، وبمنهج علمي. ونجاح الكوادر القيادية، لا يتم بمواهب وقدرات ذاتية ولدت فيهم، وانما من خلال اكتساب هذه القدرات وتنمية المواهب بالممارسة العملية داخل البناء التنظيمي للحركة الثورية، ان عملية الارتقاء في المراتب التنظيمية، لا يجوز ان تتم على اساس المزاج الشخصي لبعض القادة.. وانما نتيجة القدرات التي يمتلكها الكادر والانجازات التي حققها، وكلما تصاعدت القدرات .. وتراكمت الانجازات، فانها تبني للكادر في حركته الثورية تاريخاً ذاتياً، وسجلا يمكن على اساسه الحكم في أية مرحلة، ومن خلال أية قيادة على الموقع الذي يستطيع الكادر ان يملأه بجدارة، والمسؤوليات التي يستطيع ان يتحملها.
ان امتلاك الشخصية القيادية ضرورة اساسية للكوادر المسؤولة في الحركات الثورية .. ومفهوم الشخصية القيادية يختلف باختلاف المجتمعات، ومناهجها الحياتية، ولكن هذا المفهوم يكاد يكون متطابقا عند كل الحركات الثورية التي تعتمد المنهج الثوري اساساً لتحليلها وممارساتها.
ويتطلب امتلاك الشخصية القيادية من الكادر، التزاماً كاملاً بقواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة، فالقائد الذي لا يتمتع بالحس الجماهيري الاعمق، لا يستطيع ان يؤكد على الخط الجماهيري لدى المناضلين، والقائد الذي يفتقر الى الوعي السياسي، لا يستطيع ان يقود، والقائد الذي لم يصل الى موقعه عبر نضالات طويلة وتدرج في المسؤولية من خلال ارتباطه الدائم بالاطر التنظيمية، لا يستطيع ان يحترم ويقدس الاطر، ويكون مزاجيا يتحكم بالاعضاء وبمواقعهم النضالية على هواه..
واذا كان الكفاح المسلح، هو الاسلوب الوحيد الذي يحدده برنامج الحركة الثورية لتحقيق اهدافها، فان القائد، الذي يتصدي لأية مهام غير قتالية، دون ان يعطي اهمية للنضال .. ودون ان يكون قد مارسه فعلا بأي شكل من اشكاله المتعددة... ان هذا القائد، مهما كان مفوها سياسيا أو محبوبا جماهيريا أو منظراً تنظيمياً، فانه لن يستطيع اكتساب ثقة اعضاء الحركة ومقاتليها. ولهذا، فان كل القيادات في الحركات الثورية، مطالبة بالتقيد الكامل بقواعد المسكلية الثورية في كل المجالات، حتى يكونوا القدوة الحقيقية للاعضاء.
والى جانب قواعد المسلكية الثورية في المجالات الجماهيرية والسياسية والتنظيمية والعسكرية، فان القيادات ملزمة بامتلاك صفات، تؤكد تفوقها وقدرتها على تحمل مسؤولياتها القيادية .. وتكون هذه الصفات نفسها موجودة عند كل اعضاء الحركة الثورية، ولكن بدرجات متفاوتة، قمتها قيادة الحركة الثورية. ويتفاوت القادة انفسهم بدرجات امتلاكهم للصفات الشخصية القيادية، وان كانوا في نفس المرتبة التنظيمية أو يتحملون نفس المسؤولية. والشخصية القيادية لا يمكن تحديدها بامتلاك كل الصفات الشخصية وقواعد المسلكية الثورية للكوادر، ولكن بامتلاك حد ادنى .. منها بشكل عام، الى جانب امتلاك حد اعلى من بعضها. وهذا الامتلاك لبعض الصفات الشخصية، التي تحدد مسلكية القيادة، هي التي تجعل احد القادة يمتلك صفة القيادية الطليعية بامتلاكه للحس الجماهيري بدرجة متفوقة أو لنشاطه الدائم ومواظبته وعدم ملله، حتى في اقسى الظروف.. أو لامتلاكه لاعصابه عند الملمات، وهدوئه عندما يبدأ الاخرون يتهاوون. ان صفة التمييز .. والتفوق في مجال ما، هي التي تجعل القائد مسيطرا على الموقف..والقدوة والطليعة كصفة اساسية لأي قائد، لا يمكن امتلاكها في الحركات الثورية، الا بامتلاك الحد الاعلى من القناعتين الاساسيتين.. الايمان بحتمية النصر.. والاستعداد للتضحية. هاتان القناعتان لا يجوز مطلقا .. وتحت أي ظرف من الظروف ان يختلا لدى القائد، الا اذا قرر ان يعتزل العمل الثوري. ان القائد الذي يشكك في حتمية النصر، لا يجوز له ان يبقى مطلقا داخل الحركة الثورية. كما ان القائد الذي يتقاعس، والذي تغلب مصالحه الذاتية على المصالح العامة، تجعله لا يستطيع التضحية في سبيل الحركة، لا يجوز له ان يستمر في موقع القيادة.
وينعكس المردود الايجابي لانجازات القائد على موقعه في نفوس الاعضاء، حيث انه يقودهم الى تحقيق الهدف، ولذلك فهم يشعرون معه بفرحة النصر. ويشعرون معه بأهمية العمل الجماعي. ان القائد، الذي يحاول سرقة جهود الاخرين ويجير انتصاراتهم لاغراضه الذاتية، يفقد احترام وثقة المناضلين، مهما اكتسب من الصفات القيادية الاخرى.. والقائد المبادر، المليء بالنشاط والحيوية، اذا افتقد قدرته على تنظيم العمل، وتحديد الأولويات، ومطابقة الامكانيات بالمهمات فانه يغرق ويُغرق معه الاعضاء، الذين يتولى قيادتهم، في دوامات تبعثر الجهد والبدايات والمبادرات، التي تموت قبل ان ترى النور.. انه ليس مهما فقط ان تبدأ بداية صحيحة على طريق التنفيذ .. ولكن المهم الاستمرار بالعمل حتى النهاية.. حتى تحقيق الهدف . ان بداية صحيحة واحدة والاستمرار فيها خير من مئة بداية صحيحة تنتهي قبل الوصول لأية هدف.
ومهمة القائد في الحركة الثورية، ليس فقط ان ينظر الى واقعه الزمني والمكاني.. وانما النظر الى الحركة الثورية في واقعها المتطور وحركتها الدائمة .. وهذا يدفع بالقادة الى تطوير اسلوب القيادة .. بمحاربة كل محاولة للجمود أو التقوقع والانطلاق الى آفاق جديدة في البحث والتطور للارتقاء بالمستوى النظري والعملي باستمرار.
وفيما يلي بعض القواعد المسلكية الثورية للكوادر:-
1. القدوة والطليعة :
تزداد ضرورة الالتزام بالمسلكية الثورية للعضو، كلما ازدادت مسؤولياته وصلاحياته. وعندما يصبح العضو كادراً مسؤولاً أو قائداً عسكرياً فان التزامه بالمسلكيات الثورية في كل المجالات، يجب ان يصل الى درجته القصوى . فالكادر المسؤول الذي يقود الطلائع الثورية، يشكل القدوة والطليعة لاعضاء التنظيم الثوري، الذين هم قدوة وطليعة الجماهير. ولهذا .. فالكادر المسؤول، مطالب بأن يكون ذا حس جماهيري مرهف وعميق، يشعر بصدق مع الجماهير في افراحها واتراحها ويحس باحساساتها حتى يستطيع ان يوجه الاعضاء العاملين في المجال الجماهيري، كيف يلتزمون بقواعد المسلكية الثورية في هذا المجال. والكادر المسؤول، مطالب بأن يكون الاكثر وعيا وتفهما للنظرية الثورية ومفهومها السياسي. فهو بغض النظر عن المجال الذي يعمل فيه عسكرياً أو تنظيمياً أو جماهيرياً.. انما يترجم الخط السياسي ويضعه موضع التنفيذ.. والكادر القائد لا يستطيع ان يعمل في الحركة الثورية في المجالات المختلفة، الا اذا كان متفهما .. ومؤمنا لنظرية العمل التنظيمي .. ان اخطر ما يواجه الحركات الثورية، ان يصل الى مراتب القيادات المسؤولة فيها، افراد لا يؤمنون بالعمل التنظيمي، ولا يحترمون طبيعة العلاقات التنظيمية وقواعد المسلكية الثورية في المجال التنظيمي .. والكادر القائد مطالب، الى جانب كل و ذلك، ان يكون قادرا على العمل العسكري بالشكل الارقى. وهو يطالب بذلك لتأكيد قيادته وطليعته للاعضاء، بما يختص بالقناعتين الاساسيتين للثورة، وهي الايمان بحتمية النصر، والاستعداد للتضحية.. ولا يصبح العضو كادرا مسؤولا في الحركات الثورية، الا بامتلاكه القدارت التي تؤهله لقيادة الآخرين، وهذه القدرات يجب ان لا تكون ملموسة ومرئية لدى القيادة العليا، التي تضع الكادر في الموقع المسؤول فحسب، وانما يجب ان تكون ملموسة بالممارسة والمعرفة لدى الاعضاء، الذين سيتولى الكادر قيادتهم. وهي ان لم تكن معروفة من قبل، فان على الكادر ان تكون ممارساته مؤكدة للاعضاء على حسن اختيار القيادة العليا للكوادر. وفي الحركات الثورية، حيث تمارس المركزية الديمقراطية، التي تعطي للأعضاء حق اختيار قياداتهم والمسؤولين عنهم، تعطي القيادة العليا المنتخبة أيضاً، حق الالزام بالقرارات المركزية، عندما تقتضي مصلحة الحركة الثورية ذلك. والكادر لا يصبح قائدا حقيقيا لمجموعاته، الا اذا استطاع ان يثبت لهم ذلك بالممارسة.. فهو مطالب، الى جانب كل ما ذكرناه عن تفوقه في الالتزام بقواعد المسلكية الثورية في المجالات المختلفة، ان يكون قادرا على حل مشاكلهم .. واخراجهم كمجموعات.. أو كافراد من مآزقهم النضالية.. والشخصية.. وهو مطالب، ان يعمق شعورهم بالانتماء للحركة الثورية.. وليس لشخصه .. بل عليه ان يحارب كل بادرة انحراف تبدو نحو تشجيع ظاهرة الاستزلام والتمحور. والكادر القائد يجب ان يكون دائما صاحب قرار حازم وحاسم في اللحظة المناسبة، كما انه يجب ان يكون القدوة الحقيقية فيما يتعلق بالمسلكية الشخصية، التي تجعله يتميز خلقيا عن غيره من الاعضاء العاديين، وان يضرب بسلوكه الشخصي المثل الاعلى في الخلق الحميد.. والتهذيب والالتزام الثوري.
2. العمل الجماعي :
ان اخطر الامراض، التي يمكن ان تصاب بها الحركات الثورية، هو مرض الفردية عند الكوادر المسؤولة. وتنبع خطورة هذا المرض، في ان القائد يتحول الى متسلط، قد تقوده اهواؤه الذاتية وطموحاته، الى ضرب الحركة الثورية كلها، أو الوقوع في اخطاء نتيجة التشبث بالمواقف الخاطئة والتكبر عن ممارسة النقد الذاتي. ولهذا، تقتضي المسلكية الثورية ان يتمتع الكادر المسؤول بدرجة متفوقة من الروح الجماعية والتوجه الصادق للعمل مع الجماعة، بروح من الديمقراطية المحكومة بمركزية صارمة. فالرأي مقبول لكل عضو ما دامت القضية مطروحة للحوار والنقاش. اما اذا أخذ القرار فان دكتاتورية التنفيذ يبدأ دورها.. وعلى الجميع التقيد بالقرار وبالعمل لتنفيذه. ان تنفيذ القرار، الذي يجمع عليه الاعضاء نتيجة حوار ديمقراطي، اسهل من تنفيذ القرار المفروض عليهم والمتجاهل لرأيهم، حتى وان كانوا كافراد مقتنعين به.. ان روح العمل الجماعي تتقوى بالمشاركة في صناعة القرار.. وفي التخطيط وفي التنفيذ.. وفي صناعة النصر.
ان على الكادر المسؤول ان لا يتجاهل دور الافراد في بناء المستقبل، ولكنه مطالب بان يجعل بين هؤلاء الافراد لغة مشتركة تجعل تحركاتهم .. ومواقفهم متكاملة، ويصبح الجميع مدركين، بأن تحقيق الهدف مرهون بتعاونهم وبعملهم كفريق واحد، وان انفراد أي منهم، مهما كانت امكانياته وقدراته، لن تسمح له بتحقيق الهدف منفردا.. وان الصدف اذا ساعدت بعض المواقف والآراء الفردية على تحقيق نصر ما، فان هذه الصدف لا يجوز فرضها على المستقبل كقاعدة للعمل. ان القوانين العامة، التي تتحكم في المسيرة الثورية للحركات التي تتصدى لتغيير الواقع الفاسد، تؤكد على ضرورة العمل الجماعي على كافة المستويات، خصوصا في المستويات القيادية المسؤولة. حيث ان التفرد في المستويات القيادية يشكل شرخاً طولياً داخل البناء التنظيمي للحركة، مما يهددها بالانقسامات والتشرذمات. ان تصدع البناء التنظيمي ينجم في معظم الحالات عن الاختلاف في التقلبات، التي تتحكم في المواقع القيادية، والتي تشكل لها امتدادات متقاطعة داخل الهرم التنظيمي. ان تعميق مفهوم القيادة الجماعي، لدى كل كادر مسؤول في الحركة الثورية، هو الذي يعمق مفهوم العمل الجماعية لدى اعضاء الحركة الثورية وهو الضمانة الوحيدة لسلامة البناء التنظيمي ولفعالية العمل العسكري ولتأكيد الالتفاف الجماهيري حول الحركة الثورية، مما يؤكد ضمانة تحقيق النصر.
3. التواضع :
ليس التزام الاعضاء في الحركات الثورية باطاعة واحترام قياداتهم، نتيجة لخوف أو طمعا في مصلحة أو مكسب ذاتي. انه نابع من الشعور بالمحبة تجاه هؤلاء القادة والمسؤولين وما يمثلونه من رموز للتضحية، في سبيل الواجب والاخلاص، في سبيل الحركة واهدافها واعضائها. ان الكادر المسؤول، الذي يحاول السيطرة على الاعضاء من خلال ارهابهم وتخويفهم والتلويح بانواع العقوبات المختلفة، للذين لا يطيعونه اطاعة عمياء. ان هذا الكادر سيفقد حتما موقعه .. لان الحركات الثورية لا تضم مرتزقة .. وانتهازيين، وانما تقوم على اكتاف الثوار، الذين لا يخشون في الحق لومة لائم، والذين يدركون جيداً، ان مسيرة الثورة تقتضي منهم ان يواجهوا الباطل والخطأ بروح نقادة، وان يعملوا على محاربة الانحراف أيا كان مصدره. مدركين جيداً ان اعظم الجهاد، هو كلمة حق عند قائد جائر. وقد يكون القائد مخلصا .. صادقا .. ولكنه ينظر الى رفاقه في النضال ورفاقه في السلاح نظرة استعلاء وكبرياء، بعيدة كل البعد عن مسلكية العلاقات الاخوية وضرورتها لرص البنيان التنظيمي.. ان الكادر، الذي يفقد صفة التواضع، يكون فاقدا لمسلكية ثورية اساسية، لا يجوز ان يفقدها القائد .. ان المحبة، التي تتعمق في نفوس المناضلين لقادتهم، تنبع من موقفين اساسيين للكادر المسؤول. أولهما الموقف من العضو عندما يخطئ .. وقد ثبت ان الاعضاء يحترمون القادة، الذين لا يرحمون المخطىء .. وينفذون به العقاب الذي يستحقه .. ويحرمونه من لمسة التواضع والحنان، حتى يعود الى رشده ويصبح عضوا صالحا . والموقف الثاني، هو موقف القادة من الاعضاء في الحالات العادية أو حالات الانجازات، التي تحتاج الى اثابة .. القائد الذي يفقد صفة التواضع، يفقد محبة الاعضاء الجادين والاقوياء له. ان الثقة والاعتزاز بالنفس، هي من القواعد الثورية الاصيلة، التي لا يجوز غيابها لدى العضو. فالحركة الثورية لا تستطيع ان تجابه اعدائها بمجموعة من الافراد الخنع.. المستسلمين سلفا.. الذين لا يثورون لكرامتهم .. ان القائد، الذي يقاتل بمجموعة تعتز بنفسها.. وبحركتها.. وتحترم وتحب قائدها .. يحقق النصر. اما القائد، الذي يقاتل ويخوض المعارك بمجموعات، لا يكن لها أي احترام .. يحتقرها .. ويعاملها بعنجهية ويعمق فيها روح الخنوع.. هو قائد مريض.. قائد فاشل، لا يمكن ان يحقق انتصارا. ان معاملة القائد المتواضعة للاعضاء، تعكس نفسها على طريقه معاملة الاعضاء لاخوانهم وللجماهير. ان نزعة احتقار الجماهير من بعض الاعضاء في الحركات الثورية، ينجم عن شعورهم باحتقار قادتهم لهم.. والقائد، الذي يريد ان يكسب الجماهير للثورة، عليه أولا ان يكسب اعضاء الحركة الثورية، عن طريق المعاملة الاخوية .. وعلى رأسها التواضع.
4. البشاشة والتفاؤل :
ليس هنالك حركة ثورية تقاتل من اجل القتال فقط. وليس هنالك ثوري حقيقي يقاتل قتالاً شجاعاً، ولكن يائساً على المدى الاستراتيجي.. ان الثورة تنطلق من اجل الهدف.. والثائر مطالب باستمرار، ان يكون مؤمنا بحتمية النصر. والقائد عليه ان يمثل دائماً امام الاعضاء جسر الوصول الى الهدف، بتفاؤله الدائم، بحتمية النصر. فالقائد هو مبعث الامل لرفاقه، وهو الذي يبعث فيهم روح العزيمة، وينقلهم من واقع اليأس المتردي الى واقع الامل المشرق. ان معنويات الاعضاء، لا تهزها كل اذاعات العدو وحربه النفسية وقصفه وما يحققه من انتصارات على الحركة، قدر ما تهزه حالة يأس وتردي يظهر اثرها على وجه قائدها.. حالة فقدان الامل.. حالة انهيار الجسر. ولهذا .. فان القائد مطالب دائما .. وفي احلك الظروف، ان يستجمع كل قواه.. وكل اعصابه، ليسيطر على الاعضاء بروحه المتفائلة.. وعزيمته الصلبة، واشراقة ابتسامته، التي تمتص كل سحر الحرب النفسية للعدو.
وان كان من المغفور له ان تهتز معنويات مقاتل أو عضو في الحركة الثورية، فانه لا يجوز ان يغفر انهيار معنويات قائد لموقع.. أو مسؤول يقع في أيدي العدو. ان هيبة كل القيادات الثورية تتزعزع لدى اعضاء الحركة ولدى الجماهير، عندما ينهار احد هؤلاء القادة امام ارهاب العدو، فيشهر بالحركة الثورية وبخطها وبهدفها وبالاعضاء وباخوانه القادة.. ان تفاؤل القائد، لا يكون فقط مطلوبا في الأيام العادية.. لا يكون مطلوبا فقط وهو بين الاعضاء، فالقائد مطالب بالتفاؤل.. وبالايمان بحتمية النصر، سواء كان يحقق انتصاراً أو يواجه هزيمة.. سواء كان بين اعضاء حركته أو في زنزانة للعدو.. انه مطالب دائما ان يتذكر، ان حركة التاريخ هي ما تمثله حركته الثورية. وان دوره كفرد، ليس الا لبنة في بناء هرمي عظيم . وان عليه، وهو في احلك الظروف، ان يتذكر نفسه وهو خارج هذا الظرف السيء ويتخيل احد رفاقه في الخارج مكانه.. ماذا سيفعل.. انه سيستمر.. سيناضل.. سيقاتل من اجل تحقيق النصر .. هذا هو مفهوم البشاشة والتفاؤل، كمسلكية ثورية للكوادر، مطالبة دائما ان يلتزموا بها.
ان القائد يناضل دائما وهو يتوقع اسوأ الظروف، ولكنه دائم التفاؤل بالنتائج الحسنة وبحتمية النصر.
5. الانسانية :
تتطلب العلاقات التنظيمية في الحركات الثورية روحا اخوية، ولكنها الى جانب ذلك، تتطلب من الكوادر المسؤولة والقادة روحا ابوية تغمر الاعضاء، بالعطف.. والحنان . ان الشعور مع الاعضاء في سرائهم وضرائهم، يعمق روح المحبة المتبادلة. تلك الروح، التي تنعكس مباشرة على طبيعة العلاقة بين الحركة الثورية والجماهير. ان المسلك الانساني للكادر المسؤول، هو الذي يعطي للقيادة مفهومها المتكامل. المفهوم، الذي يجمع بين اللين من غير ضعف، والشدة من غير عنف، وهو الذي ينمي العلاقة بين الاعضاء وقادتهم، مما يجعل حدود التفاعل متجاوزة حدود التكامل. ان التأثير المتصاعد لفعالية الاعضاء وقوة ارتباطهم بالحركة الثورية نتيجة امتلاك الكوادر والقادة روحا انسانية في مسلكيتهم الثورية، ينجم عن تعمق لمفهوم المحبة الثورية ومفهوم الابوة والاخوة. فعندما يتصدى الكادر المسؤول لحل المشاكل الشخصية للاعضاء الحركيين، بنفس الروح التي يحل بها مشكلته الشخصية. فان قوة الشعور بالانتماء تتضاعف، ليس فقط عند العضو صاحب المشكلة المحلولة.. وانما عند سائر الاعضاء، حيث ان المنهجية الصحيحة في المعاملة تعكس نفسها على الجميع، فيطبقونها كل في مجاله وضمن اختصاصه، مما يجعل المسلكية الانسانية، كقاعدة للمسلكية الثورية مسلكية عامة، تجعل من الحركة الثورية تلامساً مع الواقع الجماهيري. معاملة بحنان لينقله الى الواقع الثوري، ومن ثم الى واقع المسيرة الشعبية حتى النصر.
ان انعدام أو تخلخل الروح الانسانية في المعاملة داخل الحركة الثورية، يضعف الروابط التنظيمية ويشل الفعالية الثورية للحركة. وان من اخطر الامراض، التي يمكن ان تصاب بها الحركات الثورية، هو ان يصبح مسؤولوها وقادتها مجردين من النزعة الانسانية تجاه اعضاء التنظيم، فيعاملونهم دون رحمة.. ويهملونهم .. ويتغطرسون عليهم ويتركونهم يغرفون في مشاكلهم، دون الاخذ بيدهم، ثم يحاسبونهم بقـوة لتقصيرهم في اداء مهماتهم وواجباتهم.
ان الحركة الثورية، التي تفقد الروح الانسانية كمسلكية للعلاقات داخل الاطر التنظيمية، تفقد الزيت الذي منه تتعذى شعلة الامل في الحرية، وتنطلق انوار المستقبل الباسم. ولهذا.. فان على كافة الكوادر المسؤولة والقيادات الحركية، ان يحرصوا على التمسك بالروح الانسانية كمسلكية ثورية، لها تأثيرها الفاعل على المسيرة الثورية للحركة.