مقدمة "المناضل النموذج" ، تعبير نطلقه على من آمن بعدالة قضيته واستعد للتضحية في سبيلها , وأقرن استعداده بالفعل الصريح ليكون مقاتلاً بحق , وفي زحمة الأسماء والأعداد , والتنوعات والتباينات , تطل من حين لآخر ( كتيبة الصناديد ) , من النخب المقاومة التي صقلتها التجربة وجربتها الخطوب والمحن , هذه الكتيبة المختارة والنوعية استمدت هذه الصفات , وامتزجت بتلك النعوت , ليس ترفاً , وإنما وفاء للحقيقة وإنصافاً للتاريخ ، وإذا كان الشهداء أقماراً ، فإن لهذه القوافل المتتابعة شموساً ، وإذا كان لكتائب الشهيد احمد أبو الريش أن تفخر بأفلاكها التي تدور في سماء الكون ، فحقاً لها أن تزدان بإكليل الغار الذي يتوج رأس مقاتليها ، النجم الساطع المتلألئ دوماً بوهج الصمود ، ذلك الذي نال بجدارة واستحقاق لقب "شمس الكتائب" ، إنه الشهيد القائد المتفرد بتجربته "إبراهيم مرعي عبد الهادي
التنشئة الوطنيةكان المجاهد إبراهيم عبد الهادي نموذجاً للفتحاوي الصادق في انتمائه ، عرف حقيقة الصراع وحدد أهدافه وآمن بفكره ومنهجه النضالي ، واندفع يقارع ليل الاحتلال البغيض ، استمراراً لتجربة كفاحية بدأت مع بواكير العام 1965 ، لم يلتفت إلى فتن داخلية ولا إلى تناقضات ثانوية ، كانت عيناه النافذتان تحدقان في المشهد الكلي للصراع الحقيقي على هذه الأرض المقدسة ، وعرف أن كل هموم الشعب الفلسطيني وأوجاعه سببها الاحتلال الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين ، والجرائم التي يرتكبها صباح مساء بحق الشعب الأعزل إلا من الإيمان بالله وإرادة لا تنكسر في مسيرة الكفاح ضد من سلبوا الأرض وانتهكوا كل الحرمات ، وبهذه المنهجية اختط إبراهيم لنفسه مساراً حياتياً جعل منه قدوة وأسوة لكل من عرفوه ، وامتد تأثيره من رفاقه في الكفاح إلى كل من أحاط به شيبة وشباباً وأطفال. إبراهيم , الذي انتمى لعنوان قضية شعبه في يوم مولده عام 1976 , عاش معاني حياة اللجوء في كنف عائلة أقامت في مخيم خان يونس للاجئين قبل أن تنتقل إلى محطة كانت مفتاح الهوية النضالية لأبنائها في حي الآمل , وهي عائلة تعود في جذورها إلى قرية عبدس المحتلة عام 1948 , قرية كانت ولا تزال تعبر عن بغضها للمغتصبين في صورة قوافل الشهداء من أبنائها يتقدمهم الشهيد المعلم القائد أحمد خالد أبو الريش . تفتحت عيون القائد إبراهيم على الدنيا في ظل أجواء خيمت عليها رائحة الغدر والخيانة , انتُكس فيها شعبنا مرتين , أولها في المجازر التي ارتكبت بأيدٍ عربية في مخيم تل الزعتر في لبنان , والثانية كانت بزيارة السادات إلى دولة الكيان الصهيوني والتي توجت باتفاقية (كامب ديفيد) والتي كان من أولى ضحاياها القضية الفلسطينية . وما أن بدأ إبراهيم يحبو حتى كان انتصار إرادة الصمود في شعبنا المجاهد , في المعركة الشهيرة التي تسمى (الليطاني) , وذهب إبراهيم إلى المدرسة لأول مرة , منها كانت تتناهى إلى مسامعه أخبار الصمود الأسطوري الذي تحققه الثورة الفلسطينية في معركة بيروت . وتأذت أذناه كثيراً من سمع مؤامرات الخيانة العربية والانقلابات على الشرعية الفلسطينية والتحالفات المقيتة التي كانت تحركها وتصوغها وتعدلها أيادي دول عربية , سمت نفسها ممانعة , فيما كان امتناعها الوحيد عن مواجهة العدو ومحاربته , أو حتى التلويح بقدرتها على صد العدوان عن أرضها وأرض العروبة ...... كان التفاف جماهير شعبنا في الداخل والخارج حول القيادة التي يمثلها الرمز الشهيد القائد وصانع الثورة ياسر عرفات (أبو عمار) مثالاً يحتذى لإبراهيم وغيره من اليافعين , الذين عرفوا أن لا شرعية إلا شرعية القرار الفلسطيني المستقل الذي قاتل أبو عمار من أجله واستشهد دفاعاً عنه في مواجهة من أرادوا للقضية الفلسطينية أن تبقى على الدوام رهينة مكاتب أجهزة استخباراتهم , كورقة مساومة يلعبون بها لتصفية حساباتهم الإقليمية , والرهان عليها في معاركهم الخاسرة من أجل كسب رضا الغرب الاستعماري ، وكولونياليا الألفية الثالثة
مقاتل في قافلة الفتح ومع اندلاع الانتفاضة المباركة عام 1987 , كان إبراهيم الفتى قد حدد خياره , واختار الانضمام لكتيبة "الجنرالات الجدد" كما سماها الرمز ياسر عرفات , والتي عُرفت فيما بعد باسم "أطفال الحجارة " , ولم يوفر إبراهيم جهداً على هذا الصعيد وحضوره ظل متميزاً خصوصاً في إيواء ومساعدة المطاردين من صقور فتح , وتوفير المعلومة الصحيحة والأجواء الآمنة التي تعينهم على أداء واجبهم الكفاحي , ونشر وتعميم بطولات الشهداء , وغير بعيد عن كل ذلك الاندفاع لمواصلة المد الفتحاوي داخل المدارس , حيث كان له شرف الالتحاق بجهاز التعبئة والتوجيه قبل أن يبلغ سن السادسة عشر . رحمك الله يا إبراهيم ، لقد كنت ممن عرفتهم الأجيال لا تكل من العطاء , بل انك كنت مؤسسة عطاء يا إبراهيم , بدأت تثبت القناعات وترسخ الوعي , قبل الانتقال لمرحلة قادمة من المواجهة العلنية مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه. وفي اللحظة التي بدأ فيها الوطن يتنفس شيئاً من الحرية مع تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية في عام 1994 , بدأ إبراهيم مشروعه الأكاديمي , ملتحقاً بجامعة الأزهر بغزة , ومتجهاً إلى دراسة العلوم السياسية , بدأ تأسيساً لوعيٍ أكثر عمقاً لقضيته الوطنية وتأصيلاً لأدائه المرتهن إلى ثقافة واسعة وعلم غزير , لقد أدرك إبراهيم مبكراً أن "البندقية غير المسيسة قاطعة طريق" ، وخلال دراسته التي امتدت لأربعة أعوام متتالية , لم ينثن إبراهيم قيد أنمله عن هويته الجهادية , ومارس تجربة العمل النقابي في صفوف الشبيبة الفتحاوية داخل الجامعة , وأدى دوره على أكمل وجه في دائرة العمل التنظيمي في صفوف حركة فتح بإقليم خان يونس , وبحصوله على درجة البكالوريوس نهاية التسعينات , كان إبراهيم على موعد للالتحاق في كتيبة الإعلاميين بانضمامه وانخراطه في العمل في التلفزيون الفلسطيني , وهي تجربة كانت من الأهمية بمكان ، إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة الدور الذي سيطلب من إبراهيم أن يلعبه لاحقاً في العمل الجهادي والوطني .
المسيرة الجهادية مع اندلاع انتفاضة الأقصى المباركة في العام 2000 , كان إبراهيم قد بلغ مرحلة النضج التنظيمي والوطني والنضالي , وكان قد تهيأ لدوره الحاسم , الذي قاده إلى أن ينقش اسمه في صفحات المجد , فقد كان إبراهيم "ريشياً " بالفطرة وكانت قناعاته لا تبتعد كثيراً عن المفاهيم التي تأسست بموجبها كتائب الشهيد احمد أبو الريش ، كان إبراهيم قد عرف كل قادتها وكوادرها وأعضائها خلال فترة نشاطه التنظيمي في أطر حركة فتح بخان يونس , ونشاطه النقابي في فترة دراسته الجامعية . بدأ إبراهيم نشاطه في صفوف كتائب الشهيد احمد أبو الريش مبكراً , وكانت له جولات مهمة بجوار رفاق الدرب الأوائل , اتصف خلالها بالجدية والالتزام المطلق والدقة في تنفيذ المهمات , عمل إلى جوار الشهيد الجنرال عبد الرحمن أبو بكرة , وعمل أيضاً بجوار القائد المؤسس للكتائب المظفرة الشهيد عمرو أبو ستة ، وغيرهما من جند أبو الريش الذين لم يتوقفوا يوماً عند مسميات وألقاب , بل كان مسعاهم الدائم واهتمامهم الأكيد منصب على السعي لحرية وكرامة وطنهم , حيث اجتهدت الكتائب الريشية وقطعت شوطاً في المقاومة دون حتى أن تكلف نفسها جهد وعناء تبني عملياتها الجهادية ضد الصهاينة , و تركت غيرها يُعد البيانات ويغرق في التفاصيل ذات الطابع الشعاراتي , فيما كان جند الكتائب بمثابة مصدر اعتزاز وموضع افتخار لكل من ارتبط اسمه بمسيرة العمل الكفاحي في فلسطين . مع بدايات العام 2001 أخذت نخبة من جند الكتائب المظفرة على عاتقها تأسيس الجهاز الإعلامي لكتائب الشهيد أحمد أبو الريش , كان إبراهيم من بينهم ، وعملوا على إنشاء وحدة متخصصة في التعبئة والإرشاد ، باعتبار أن من لا يمكنه حمل البندقية فإنه على الأقل يجب أن يعرف المنطلقات التي على أساسها , والغايات التي من أجلها ، انطلقت الكتائب كذراع عسكري متميز ـ وذو أسبقية ـ لحركة فتح ، وفي ذلك ضرب شهيدنا إبراهيم عبد الهادي المثل , وكسر كل القواعد , فقد اهتم بتحصين البراعم الريشية وطنياً وأخلاقياً ودينياً , فأصبح مفهوم المواطنة الصالحة والتواضع مع الجماهير هو ديدن وصبغة كل أبناء الكتائب , اعتباراً من الأمين العام أبو ماجد ـ الذي كان على الدوام المثل الأعلى في التضحية والوفاء والعطاء والتواضع ـ وانتهاءً بكل العاملين في مختلف حقول الكفاح ضمن المسيرة الريشية . وكما كان الشهيد الجنرال عبد الرحمن أبو بكرة حبيباً وصديقاً لكل براعم وأشبال كتائب الشهيد أحمد أبو الريش في حي الأمل , وكان إبراهيم كذلك يتمتع بذات الصفات التي أهلته لتبوأ مكانة يستحقها في القلوب والعقول (خاصة بعد استشهاده) , وكل هذا لم يثنيه عن حمل البندقية وأداء واجبه في العطاء والجهاد ضمن مجموعات كتائب أبو الريش المقاومة ، وهنا تجسدت عبقرية الثائر , كفاح متميز في ميدان الوغى , وأداء مبهر في العمل الجماهيري ، وحضور لافت للنظر في الفعل الإعلامي والدعائي المؤثر .
محطات مميزة تميزت تجربة " الثائر الإنسان " إبراهيم عبد الهادي بالغنى اللافت من جهة القيم والأخلاق وحيوية الاتجاه , لكن محددات فعله الثوري ارتبطت بثلاث محطات مهمة , كلها كانت حوادث استشهاد , قبل أن ينضم هو نفسه إلى قافلة الخالدين في الشعب الفلسطيني , الذين أخذوا على عاتقهم أن يحملوا هم القضية , ويجعلوا من أجسادهم منارات تهتدي بهداها قوافل السائرين صوب القدس عاصمتهم الأبدية ، وصوب وطنهم الأسير وأرضهم السليبة , كان إبراهيم شمعة هدى ، وبشرى خير ، ونبراس حياة لمن اختاروا أن يسترخصوا كل ثمين ـ بما في ذلك حياتهم ـ في سبيل الله أولاً ومن أجل حرية وكرامة شعبهم. كانت المحطة الأولى بتاريخ 17/8/2001م ، يوم استشهاد الجنرال الريشي العملاق عبد الرحمن أبو بكرة ، يومها شعر كل المهتمين بأمر الكتائب أن جبلاً قد تهدم ، وأن قلعة كبيرة شامخة قد انهارت ، لقد كان الفراغ الذي تركه عبد الرحمن كبيراً ، وتحديداً في جهاز الإعلام والتعبئة ، يومها فكّر القائد المعلم عمرو أبو ستة كثيراً ، وفي نهاية الأمر وقع اختياره على المثابر ذو الحضور الطاغي في العمل الجهادي إبراهيم عبد الهادي ، ليجد إبراهيم نفسه أمام مسؤوليات كثيرة ومهمات شاقة ، وحشود من الناس والمواطنين تنتظر خطواته القادمة ، كان التحدي كبيراً ، خصوصاً بعد غياب رجل بحجم عبد الرحمن أبو بكرة الذي حمل المهمة والمسؤولية طويلاً ، وبدأ إبراهيم يشق طريقه ويحفر في الصخر ، أصبح نومه سويعات يسرقها من بعض الليل وأطراف النهار ، يتحرك في كل مكان ، يتواصل مع كل شخص ، وينجز المهمة تلو الأخرى ، حتى أطلق عليه الريشيون اللقب الذي حمله طويلاً "المكوك" ، تلك الآلة التي لا تتوقف عن الدوران ، ولا تكل عن أداء المهمات التي أنيطت بها ، والوظائف التي وجدت من اجلها. ملأ المجاهد إبراهيم كل فراغ ، واجتهد بفكره وفلسفته الخاصة ، وانطلق بتوافق عجيب يؤدي مهماته الجهادية ، وعينه غير بعيدة عن تطورات المشهد الوطني ، ودأب على إشراك أكبر قطاع ممكن من الشباب الساعي إلى الانتصار على إرادة الخوف ، والتحرك قدماً صوب الأهداف الوطنية والغايات السامية ، وفي تلك الفترة التي تسلم فيها إبراهيم مسؤولية الجهاز الإعلامي لكتائب الشهيد أحمد أبو الريش أصبح انتشار الكتائب غير مسبوق ، وحضورها متميز في كل بقعة من أرض قطاع غزة ، قبل أن تنطلق لتواصل مسيرتها الوطنية بوصولها إلى الضفة الغربية حتى يكتمل المشهد الوطني في الفكر النضالي الذي جسدته الكتائب خلال مسيرة كفاحية استمرت أكثر من أربعة عشر عاماً ، إضافة إلى السنوات التي سبقتها أيام كان اسم الجناح العسكري لحركة فتح في الانتفاضة الأولى "صقور فتح" . كانت المحطة الثانية في حياة القائد إبراهيم عبد الهادي بتاريخ 2/3/2003م ، كانت ليلة العز والفخار التي تطايرت فيها أشلاء الدبابات والجرافات الصهيونية التي حاولت غزو خان يونس ، كانت ليلة الصمود الأسطوري للإرادة التي لا تنكسر لجماهير المدينة التي توحدت بنادقها دفاعاً عن الأرض والعرض ، يومها خرجت خان يونس عن بكرة أبيها تودع قائد وحدة التفجيرات في كتائب الشهيد أحمد أبو الريش ، الشهيد المجاهد محمود مرعي عبد الهادي ، ذو الشعر الأشقر والوجه الوسيم والطلعة البهية ، الذي كان يحمل لقب "كارتر" ، الذي زفته الجماهير شهيداً بدلاً من أن تزفه عريساً ، فقد كان يوم استشهاده هو ذاته اليوم الذي تقرر فيه عقد قرانه ، فاختار الله عز وجل له جواراً غير الجوار وأهلاً غير الأهل ، محمود الذي أبى إلا أن يُقرن اسمه بتلك الليلة التي ستظل محفورة في ذاكرة الأجيال رمزاً للبسالة والشجاعة والإقدام. في ذلك اليوم ، شعر القائد إبراهيم أن الحياة أصبحت بلا طعم في غياب الأخ الشقيق محمود ، الذي يصغره عمراً ، والذي كان يتمتع بدلال استثنائي في أوساط العائلة وحتى في وسط الأصدقاء والمعارف ، عندها لبس إبراهيم السواد ، وتوشح به حتى يوم استشهاده ، وغابت عنه مباهج الدنيا وزخرفها ، كان ينتظر مصيره بعد محمود ، وكأنها مسألة حُسمت من جانبه نهائياً ، فقد اجتهد للحاق به سريعاً ، عاش حياة التقشف ، بكل معانيها ، أصبحت الملابس التي تأتي على شكل هدايا من الأقارب الذين يقيمون خارج البلاد تُرتدى من قبل أصدقائه الذين لا يقدرون على شرائها ، واكتفى هو بزي واحد أو اثنين القاسم المشترك بينهما هو اللون الأسود ، لون الغضب والرغبة في الثار والانتقام ، وتحرك خطوة جديدة إلى الأمام ، باختياره أن يقود بنفسه مجموعات استشهادية وفدائية في صفوف الكتائب ، إضافة إلى تحمله المسؤولية الكاملة عن الجهاز الإعلامي للكتائب ، كان قائداً إعلامياً ثم جمع إليها القيادة العسكرية ، وانطلق يخوض معركته الخاصة ضد المحتلين ، وفاءً لعهد الأخوّة ويقيناً بان هذا الاحتلال البغيض الجاثم على الأرض لن يندحر بالكلمة وحدها ـ على أهميتها ـ بل إن الأمر يتطلب كفاحاً ميدانياً وخسائر بشرية حتى يدرك الغاصب حجم المعاناة التي يسببها لجنوده إذا طالت فترة استلابه للأرض واغتصابها. أصبح إبراهيم أكثر زهداً ، أقل ميلاً إلى الدعابة ، أصبحت الجدية التامة تكسو وجهه ، وبدا النضج واضحاً في منطقه وتفكيره ، بطريقة جعلت أكثر المقربين له يقدرون هذه التطورات ، فأصبحت كلمته مسموعة في أوساط الصغار والكبار ، على حدٍٍ سواء ، بعد أن أدرك الجميع أنهم أمام مشروع استشهادي كبير ، منطلق إلى هدفه بثبات وسرعة. كانت ثالث المحطات بتاريخ 29/7/2004م ، يوم استشهاد المجاهد القائد عمرو أبو ستة ، الأمين العام لكتائب الشهيد أحمد أبو الريش ، مؤسس الكتائب وقائدها ، الذي لاحقته المروحيات الصهيونية بالصواريخ مع رفيق دربه الشهيد زكي أبو زرقة ، يومها استشعر إبراهيم ورفاقه حجم المصيبة ، وأدركوا كم هو صعب ملء الفراغ الذي تركه رحيل القائد العام ، خصوصاً وأن الكتائب كانت تركن إلى قيادته الهادئة والحكيمة وتواصله مع كل القطاعات في مختلف الميادين ، ومن الصعب الوثوق في أية كفاءة وقدرة في ظل الكاريزما الطاغية التي كان يتمتع بها القائد الشهيد عمرو أبو ستة ، الأمر الذي دفع أكثر من جهة في كتائب الشهيد أحمد أبو الريش التي أسسها القائد عمرو أبو ستة إلى البحث في اجتهادات خاصة لإكمال المسيرة الطويلة ، والحفاظ على الموروث النضالي الضخم الذي تركه الشهيد الكبير ، كان إرثاً يتطلب قافلة من القادة للتعامل معه والتعاطي مع استحقاقاته ، بيد أن هؤلاء جميعاً ، وإن اختلفوا في الرؤى ، إلا أن قاسمهم المشترك في كل هذه المعادلة هو اتفاقهم على وحدة الجهاز الإعلامي للكتائب ممثلاً بالقائد إبراهيم عبد الهادي وفريقه من المجاهدين ، وهي ثقة نالها من الجميع ، بعد أن أدرك ذات الجميع أنه وباستمرار كان أهلاً لها ، وهي ثقة منحها إياه عمرو أبو ستة ، فمن ذا الذي يمكن أن ينتزعها منه !!
المنعطف الحاسم كان إبراهيم أول من تصدى لحمل الأمانة ، فبجانب أعباء الجهاز الإعلامي ومتطلباته الشاقة ، تولى مهمات الإشراف على مجموعات عسكرية ، وتجهيز قوافل الاستشهاديين ، والتنسيق مع مناطق العمليات لكتائب الشهيد أحمد أبو الريش ، بل وأكمل ما كان يتمناه القائد عمرو أبو ستة ، برؤية رايات كتائب الشهيد أحمد أبو الريش ترفرف في مسيرات وتظاهرات الأهل في الضفة الفلسطينية ، حيث أشرف إبراهيم على تنسيق المجهود القتالي في نابلس وجنين وغيرها من مدن الضفة الأبية ، بشكل جعله موضع تركيز واستهداف المخابرات الصهيونية التي سعت إلى رصده ومراقبته والإعداد لعملية غادرة توقف المشروع الجهادي الذي يمثله فكره المنفتح وعقله المستنير. ومع الانسحاب الصهيوني من المغتصبات في قطاع غزة ، كانت كتائب الشهيد أحمد أبو الريش قد بسطت سيطرتها على العديد من المواقع العسكرية التي كانت ترسل الموت على البيوت الآمنة ، كان من بينها موقع عسكري غربي منطقة حي الأمل ، كالما شخصت أنظار الثائرين إليه ، بحكم منعته وكثرة تحصيناته وحجم الويلات التي سببها لأهالي المنطقة ، ويوم التحرر حملت السواعد السمراء القائد إبراهيم عبد الهادي على الأكتاف وقادته فاتحاً إلى ذلك الموقع الذي خضع لإشرافه المباشر ، ليدير فيه ومنه الاستعدادات لمواجهة قادمة مع الاحتلال ، لكن القدر كان له رأي آخر ...
الطريق إلى الشهادة لم يتوقف العدو الغادر وأذنابه من العملاء والخونة عن رصد ومتابعة نشاطات القادة الميدانيين ، ومارس بعد انسحابه واندحاره عن قطاع غزة عشرات جرائم الاغتيال الجبانة التي طالت خيرة المقاتلين والمناضلين ، وفي يوم الثامن من أبريل عام 2006م ، كان القائد إبراهيم عبد الهادي في طريقه للاطمئنان على الموقع المحرر الذي يقع تحت إشرافه المباشر ، برغم المخاطرة الشديدة والكبيرة ، فقد كانت الطائرات المعادية تحلق في السماء ، والأجواء كلها تنذر بأنها توشك على القيام بعملية قذرة ، وما أن دنا إبراهيم من الموقع حتى انطلقت الصواريخ الجبانة من الطائرات الغازية لتستهدف الرأس الذي طالما أمعن في التفكير في كيفية مقاومة المحتل ، واختيار الطرق المثلى في التصدي للعدوان ، وكانت ثلة من جند الكتائب المظفرة وكأنها تأبى العيش لحظة واحدة بفراق القائد المعلم إبراهيم عبد الهادي ، فتوالت الصواريخ بعدها لتخطف مجموعة من أبناء كتائب الشهيد احمد أبو الريش ، هم : حذيفة بشير ، الأخوان الحصيني ، محمد عبد الهادي ، ومحمد حمدان.
وفاء وعهد برحيل هذه الكوكبة من الخالدين الأماجد ، هل غابت شمس كتائب الشهيد أحمد أبو الريش ؟! الجواب نجده في عيون الآلاف من جند الكتائب المنتشرين في كافة بقاع الوطن ، يتطلعون دوماً إلى لحظة الثأر ، بنية الجهاد والاستشهاد ، وكأن إبراهيم عبد الهادي ورفاقه ممن ساروا في دروب الخالدين يقولون للعدو الغاصب أن اغتيال إبراهيم وغيره من القادة واستمرار العدوان لن يحيّد السائرين إلى مسعاهم عن الدرب الذي اختاروه حتى يأذن لهم الله عز وجل بالنصر. بسم الله الرحمن الرحيم
"تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين"
صدق الله العظيم